فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخطيب الشربيني:

ولما قال تعالى إنه يجيب دعاء المؤمنين ورد سؤال وهو أن المؤمن قد يكون في شدة وبلية وفقر ثم يدعو فلا يظهر أثر الإجابة فكيف الجمع بينه وبين قوله تعالى: {ويستجيب الذين آمنوا} فأجاب تعالى عنه بقوله تعالى: {ولو} أي: وهو يقبل ويستجيب والحال أنه لو {بسط الرزق} لهم هكذا كان الأصل لكن قال: {لعباده} لئلا يظن خصوصية ذلك بالتائبين إذ لا فرق بين التائب وغيره {لبغوا} أي: طغوا {في الأرض} أي: لصاروا يريدون كل ما يشتهون فيكثر القتل والسلب والنهب ونحو ذلك من أنواع الفساد، قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية وذلك إنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع وتمنيناها فنزلت، وذكر في كون بسط الرزق موجبًا للطغيان وجوه: الأول: أن الله تعالى لو سوى في الرزق بين الكل امتنع كون البعض محتاجًا إلى البعض وذلك موجب خراب العالم وتعطيل المصالح، ثانيها: أن هذه الآية مختصة بالعرب فإنه كلما اتسع رزقهم ووجدوا من ماء المطر ما يرويهم ومن الكلأ ومن العشب ما يشبعهم قدموا على النهب والغارة، ثالثها: أن الإنسان متكبر بالطبع فإن وجد الغنى والقدرة عاد إلى مقتضى خلقته الأصلية وهو التكبر وإذا وقع في شدة وبلية ومكروه انكسر وعاد إلى التواضع والطاعة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ومركبًا بعد مركب وملبسًا بعد ملبس» {ولكن ينزل} أي: لعباده من الرزق، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بسكون النون وتخفيف الزاي والباقون بفتح النون وتشديد الزاي {بقدر} أي: بتقدير لهم {ما يشاء} أي: ما اقتضته مشيئاته {أنه} وقال تعالى: {بعباده} ولم يقل بهم لئلا يظن أن الأمر خاص بمن وسع عليهم أو ضيق عليهم {خبير بصير} يعلم جميع ظواهر أمورهم وبواطنها فيقيم كل أحد فيما يصلح له من صلاح وفساد وعدل وبغي.
روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله عز وجل في حديث طويل وفيه يقول الله عز وجل: «ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه»، و«أن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، وذلك أني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير». وقرأ ما يشاء أنه نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة الثانية كالياء ولهم أيضًا إبدالها واو أو الباقون بتحقيقهما وإذا وقف حمزة وهشام أبدلا الهمزة ألفًا مع المد والقصر والروم والإشمام.
{وهو} أي: لا غيره {الذي ينزل الغيث} أي: المطر الذي يغاث به الناس وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وتشديد الزاي والباقون بسكون النون وتخفيف الزاي {من بعد ما قنطوا} أي: يئسوا من نزوله وعلموا أنه لا يقدر على إنزاله غيره ولا يقصد فيه سواء ليكون ذلك أدعى لهم إلى الشكر وقال تعالى: {وينشر رحمته} أي: يبسط مطره كما قال تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته} (الأعراف).
وإن كان الأصل بنشره لأنه بين أنه غيث فقال رحمته بيانًا وتعميمًا، فينزل من السحاب المحمول بالريح من الماء ما لو اجتمع عليه الخلائق ما أطاقوا عمله، فتصبح الأرض ما بين غدران وأنهار ونبات نجم وأشجار وزهر وحب وثمار وغير ذلك من المنافع الصغار والكبار فلله ما أعلى هذه القدرة الباهرة والآية الظاهرة، فيخرج من الأرض التي هي من صلابتها تعجز عنها المعاول نجمًا هو في لينه ألين من الحرير وفي لطافته ألطف من النسيم ومن سوق الأشجار التي تنثني فيها المناقير أغصانًا ألطف من ألسنة العصافير، فما أجلف من ينكر إخراجه الموتى من القبور أو يحيد عن ذلك بنوع من الغرور {وهو} أي: لا غيره {الولي} الذي لا أحد أقرب منه إلى عباده في شيء من الأشيئاء {الحميد} الذي يستحق مجامع الحمد مع أنه يحمد من يطيعه فيزيده من فضله ويصل حبله دائمًا بحبله.
{ومن آياته} أي: العظيمة على استحقاقه لجميع صفات الكمال {خلق السماوات} التي تعلمون أنها متعددة لما ترون من أمور الكواكب {والأرض} أي: جنسها على ما هما عليه من الهيآت وما اشتملا عليه من المنافع والخيرات وقوله تعالى: {وما بث} أي: فرق ونشر يجوز أن يكون مجرور المحل عطفًا على السماوات أو مرفوعه عطفًا على خلق على حذف مضاف، أي: وخلق ما بث، قال أبو حيان: وفيه نظر لأنه يؤول إلى جره بالإضافة لخلق المقدر فلا يعدل عنه {فيهما} أي: في السماوات والأرض {من دابة} أي: شيء فيه أهلية الدبيب بالحياة والحركة من الأنس والجن والملائكة وسائر الحيوانات على اختلاف ألوانهم وأصنافهم وأشكالهم ولغاتهم وطباعهم وأجناسهم وأنواعهم وأقطارهم ونواحيهم، فإن قيل: كيف يجوز إطلاق الدابة على الملائكة؟
أجيب: بوجوه أولها: ما مر من أن الدابة عبارة عما فيه الروح والحركة والملائكة لهم الروح والحركة، ثانيها: أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة وإن كان فاعله واحدًا منهم، ومنه قوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} (الرحمن).
ثالثها: قال ابن عادل: لا يبعد أن يقال: إنه تعالى خلق في السماوات أنواعًا من الحيوانات يمشون مشي الأناسي على الأرض.
وروى العباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش» الحديث.
{وهو} أي: لا غيره {على جمعهم} أي: هذه الدواب من ذوي العقول وغيرهم للمحشر بعد تفريقهم بالقلوب والأبدان بالموت وغيره {إذا} في وقت {يشاء قدير} أي: بالغ القدرة كما كان بالغ القدرة عند الإيجاد من العدم يجمعهم في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينقذهم البصر ثم خاطب المؤمنين بقوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة} أي: بلية وشدة {فبما كسبت أيديكم} أي: من الذنوب، وقرأ نافع وابن عامر بغير فاء والباقون بالفاء لأن ما شرطية أو مضمنة معناه وأما من أسقطها فقد استغنى بما في الباء من معنى السببية، فإن قيل: الكسب لا يكون باليد بل بالقدرة القائمة بها؟
أجيب: بأن المراد من لفظ اليد هنا القدرة وإذا كان هذا المجاز مشهورًا مستعملًا كان لفظ اليد في حق الله تعالى يجب حمله على القدرة تنزيهًا لله تبارك وتعالى عن الأعضاء، واختلفوا فيما يحصل في الدنيا من الآلام والأسقام والقحط والغرق والمصائب هل هي عقوبات على ذنوب سلفت أولًا، فمنهم من أنكر ذلك لوجوه أولها قوله تعالى: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت} (غافر).
بين تعالى أن ذلك إنما يحصل يوم القيامة وقال تعالى: {مالك يوم الدين} (الفاتحة).
أي: يوم الجزاء وأجمعوا أن المراد منه يوم القيامة ثانيها: مصائب الدنيا يشترك فيها الزنديق والصديق فيمتنع أن تكون عقوبة على الذنوب بل حصول المصائب للصالحين والمتقين أكثر منه للمذنبين ولهذا قال صلى الله عليه وسلم «خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل». ثالثها: أن الدنيا دار تكليف فلو حصل الجزاء فيها لكانت دار تكليف ودار جزاء معًا وهو محال، وقال آخرون: هذه المصائب قد تكون أجزية على ذنوب متقدمة لهذه الآية، ولما روى الحسن قال: لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله أكثر». وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: «ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله تعالى حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أصابكم من مصيبة الآية، قال صلى الله عليه وسلم وسأفسرها لك يا علي ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله سبحانه وتعالى اكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فإنه أحلم من أن يعود بعد عفوه» وتمسكوا أيضًا بقوله تعالى بعد هذه الآية: {أو يوبقهن بما كسبوا} وذلك تصريح بأن ذلك الإهلاك بسبب كسبهم.
قيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم؟ قال: إنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم وقرأ هذه الآية. وأجاب الأولون بأن حصول هذه المصائب يكون من باب الامتحان في التكليف لا من باب العقوبة كما في حق الأنبياء والأولياء بل ذلك لزيادة درجات وفضائل وخصوصيات لا يصلون إليها إلا بها لأن أعمالهم لم تبلغها فهي خير من الله تعالى لهم، ويحمل قوله تعالى: {فبما كسبت أيديكم} على أن الأصلح عند إتيانكم بذلك الكسب إنزال هذه المصائب عليكم {ويعفو عن كثير} أي: من الذنوب بفضله ورحمته فلا يعاقب عليها ولولا عفوه وتجاوزه ما ترك على ظهرها من دابة قال الواحدي بعد أن روى حديث علي: وهذه أرجى آية في كتاب الله تعالى لأن الله تعالى جعل ذنوب المؤمنين صنفين؛ صنف: كفر عنهم بالمصائب، وصنف: عفا عنهم في الدنيا وهو كريم لا يرجع في عفوه، فهذه سنة الله تعالى مع المؤمنين وأما الكافر: فإنه لا تعجل له عقوبة ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة.
{وما أنتم بمعجزين} أي: فائتين ما قضى عليكم من المصائب {في الأرض وما لكم من دون الله} ولا في شيء أراده سبحانه منكم كائنًا ما كان {من ولي} أي: يكون متوليًا لشيء من أموركم بالاستقلال {ولا نصير} يدفع عنكم شيئًا يريده سبحانه بكم.
{ومن آياته} أي: الدالة على تمام قدرته واختياره ووحدانيته {الجواري} أي: السفن الجارية {في البحر كالأعلام} أي: كالجبال قالت الخنساء في مرثية أخيها صخر:
وإن صخرًا لتأتم الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار

أي: جبل في رأسه نار شبهت به أخاها. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استنشد قصيدتها هذه فلما وصل الراوي هذا البيت قال: «قاتلها الله تعالى ما رضيت بتشبيهه بالجبل حتى جعلت في رأسه نارًا». وقال مجاهد: الأعلام القصور وأحدها علم، وقال الخليل بن أحمد: كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم.
فإن قيل: الصفة متى لم تكن خاصة بموصوفها امتنع حذف الموصوف فلا تقول: مررت بماش لأن المشي عام وتقول: مررت بمهندس وكاتب والجري ليس من الصفات الخاصة فما وجه ذلك؟
أجيب: بأن قوله تعالى: {في البحر} قرينة دالة على الموصوف، فذلك حذف ويجوز أن تكون هذه صفة غالبة كالأبطح والأبرق فوليت العوامل من دون موصوفها، وقرأ نافع وأبو عمرو بإثبات الياء وصلًا لا وقفًا، وابن كثير وهشام بإثباتها وقفًا بخلاف عن هشام الباقون بحذفها وقفًا ووصلًا وأمال الجواري محضة الدوري عن الكسائي وفتح الباقون.
{أن يشأ} أي: الله الذي حملكم فيها على ظهر الماء آية بينة سقط اعتبارها عندكم لشدة ألفكم لها {يسكن الريح} الذي يسيرها وأنتم مقرون بأن أمرها ليس إلا بيده، وقرأ نافع بألف بعد الياء جمعًا والباقون بغير ألف إفرادًا {فيظللن} أي: فيتسبب عن ذلك أنهن يظللن أي: يقمن ليلًا كان أو نهارًا {رواكد} أي: ثوابت لا تجري {على ظهره} أي: البحر {إن في ذلك} أي: ما ذكر في حال السفن في سيرها وركوبها بما لا يقدر عليه إلا الله تعالى بدليل ما للناس كافة من الإجماع على التوجه في ذلك إليه خاصة والانخلاع مما سواه {لآيات} أي: على إحاطته سبحانه بجميع صفات الكمال {لكل صبارٍ} أي: على البلاء والشدة {شكور} أي: على نعمائه وهو المؤمن الكامل يصبر في الشدة ويشكر في الرخاء فإن الإيمان نصفان؛ نصف: صبر، ونصف: شكر.
{أو} أي: أو يشأ في كل وقت أراده {يوبقهن} أي: يهلكهن بعصف الريح بأهلهن {بما كسبوا} أي: أهلهن من الذنوب {ويعفو} أي: إن يشأ {عن كثير} من ذنوبهم فلا يعاقب فينجيهم بعوم أو حمل على خشبة أو غير ذلك، وإن يشأ يرسل الريح طيبة فينجيها ويبلغها أقصى المراد إلى غير ذلك من التقادير الداخلة تحت المشيئة وقوله تعالى: {ويعلم} قرأه نافع وابن عامر برفع الميم مستأنفًا والباقون بالنصب معطوف على تعليل مقدر أي: ليغرقهم لينتقم منهم وليعلم {الذين يجادلون} أي: عند النجاة بالعفو {في آياتنا} أي: يكذبون القرآن، أي: علم ظهور للناس {ما لهم من محيص} أي: مهرب من العذاب وجملة النفي سدت مسد مفعولي يعلم أو النفي معلق عن العمل، وقوله تعالى: {فما أوتيتم} خطاب للمؤمنين وغيرهم {من شيء} أي: من أثاث الدنيا {فمتاع الحياة الدنيا} أي: القريبة الدنية لا نفع فيه لأحد إلا مدة حياته وذلك جدير بالإعراض عنه وعما يسببه من الأعمال إلا ما يقرب إلى الله تعالى: {وما} أي: والذي {عند الله} أي: الملك الأعظم المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا من نعم الدارين {خير} أي: في نفسه وأشد خيرية من النعم الدنيوية المحضة لانقطاع نفعه فسماه متاعًا تنبيها على قلته وحقارته، وجعله من متاع الدنيا تنبيهًا على انقرأضه وأما الآخرة فهي خير {وأبقى} والباقي خير من الخسيس الفاني.
ثم بين تعالى أن هذه الخيرية إنما تحصل لمن كان موصوفًا بصفات الصفة الأولى قوله سبحانه وتعالى: {للذين آمنوا} أي: أوجدوا هذه الحقيقة {وعلى} أي: والحال إنهم على {ربهم} أي: الذي لم يروا إحسانًا قط إلا منه وحده بما رباهم من الإخلاص {يتوكلون} أي: يحملون جميع أمورهم عليه كما يحمل غيرهم متاعه على من يتوسم منه قوة على الحمل ولا يلتفتون في ذلك إلى شيء غيره أصلًا لينتفي عنهم بذلك الشرك الخفي كما انتفى بالإيمان الشرك الجلي وهذا يرد على من زعم أن الطاعة توجب الثواب لأنه يتوكل على عمل نفسه لا على الله تعالى فلا يدخل تحت الآية الصفة الثانية قوله عز وجل: {والذين يجتنبون} أي: يكلفون أنفسهم أن يجانبوا {كبائر الإثم} أي: جنس الفعال الكبائر التي لا توجد إلا في ضمن أفرادها ويحصل بها دنس النفس فيوجب عقابها مع الجسم وعطف على كبائر قوله تعالى: {والفواحش} وهي ما أنكره الشرع والعقل والطبع، والكبائر كل ذنب تعظم عقوبته كالقتل والزنا والسرقة والفواحش ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال، وقال مقاتل: ما يوجب الحد وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة النساء، وقرأ حمزة والكسائي: بكسر الباء الموحدة قبل الياء الساكنة وهي للجنس فهي بمعنى قراءة الجمع، كما قرأ الباقون بفتح الموحدة وألف بعدها وبعد الألف همزة مكسورة والأولى أبلغ لشمولها المفردة، الصفة الثالثة: قوله تبارك وتعالى: {وإذا ما غضبوا} أي: غضبًا هو على حقيقته من أمر مغضب في العادة وبين بضمير الفصل أن بواطنهم في غفرهم كظواهرهم فقال تعالى: {هم يغفرون} أي: هم الأخصاء والأحقاء بأنهم كلما تجدد لهم غضب جددوا غفرًا أي: محوًا للذنوب عينًا وأثرًا مع القدرة على الانتقام فسجاياهم تقتضي الصفح دون الانتقام ما لم يكن من الظالم بغي لأنه لا يؤاخذ على مجرد الغضب إلا متكبر والتكبر لا يصلح لغير الإله، وفي الصحيح: «أنه صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى».
وروى ابن حاتم عن إبراهيم النخعي قال: «كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا وكانوا إذا قدروا غفروا».
الصفة الرابعة: قوله تعالى: